أخطأ
البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع
المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست
حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها
مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية
المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية
والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس
الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن
العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف
المجتمع المدني.
والمجتمع
المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة،
وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع،
والتعاقد والتراضي والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة
الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن
هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية
اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي
ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة
أخرى.
والمجتمع
المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز
بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي،
والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه
يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة
واسعة من المؤسسات.
تزداد
أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة
الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم،
وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات،
ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم
إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات
حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة. وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي
انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية
والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية
أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة. أي هو مفهوم صراعي وليس
شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه
الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية
مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على
ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي
السياسيات العامة للدولة. أن المجتمع المدني عند جرامشى والمجتمع المدني بهذا
المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن
أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلال متابعتنا
لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما
يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.
0 Reviews:
Post a Comment