نحن إذا أمام أربعة إحتمالات لكينونة النسق
الدولى تتحدد طبقاً لمتغيرين : التوازن ، الإستقرار فهناك أولاً حالة التوازن
المستقر وفى حالة تشبه النسق الإقليمى لمنطقة إسكندنافيا وهناك ثانياً حالة
التوازن غير المستقر وهى حالة تشبه سباق التسلح النووى الأمريكى – السوفييتى فى
فترة الحرب الباردة هذا بالإضافة إلى حالة ثالثة وهى حالة عدم التوازن المستقر وهى
حالة تشبه وضع النسق الإقليمى لأمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة وكندا ) أو
النسق الإقليمى لمنطقة جنوب شرقى أسيا ( الصين الشعبية وباقى دول المنطقة ) وهناك اخيراً حالة عدم
التوازن غير المستقر وهى حالة تشبه النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط .
لعل أهم اشكال التوازن الدولى هو ميزان القوى وميزان
الرعب فما المقصود بهذين الشكلين من أشكال التوازن ؟
ينصرف ميزان
القوى Balance power إلى العلاقة النسبية للقوة بين
دولتين أو أكثر من ميزان القوى يفترض وجود دولتين أو أكثر وأن كل منهما يملك حجماً
من المقدرت الإقتصادية والعسكرية وأنها تدخلان فى علاقة تفاعل بحيث تنشأ مسافة
نسبة للقوى بينهما فإذا لم تدخل الدولتان فى أى تفاعل فإنه لا يمكن الزعم بوجود
ميزان القوى بينهما فإذا كانت المسافة النسبية واسعة أى أن قوتها متباعدة قلنا أن الميزان
فى حالة توازن ( توازن القوى ) وإذا كانت المسافة النسبية واسعة أى أن قوتها
متباعدة قلنا أن الميزان فى حالة عدم توازن بهذا المعنى فإن ميزان القوى يختلف عن
توازن القوى ميزان القوى هو العلاقة النسبية للقوى أما توازن القوى فإنه ينصرف إلى
شكل تلك العلاقة .
ويعتبر
مفهوم ميزان القوى من أكثر المفاهيم شيوعاً فى السياسة الدولية سواء على مستوى
التطبيق أو النظرية فقد إهتمت الدول منذ منتصف القرن السابع عشر بإنشاء ميزان
للقوى فيما بينها يكفل حفظ السلام الدولى عن طريق التكافؤ النسبى فى القوة بينها
كما أهتم دارسو العلاقات الدولية بأن ميزان القوى على العلاقات بين الدول .
إهتمت
الدول بإنشاء ميزان للقوى يتسم بالتوازن النسبى منذ صلح وستفاليا سنة 1648 وصلح
أوترخت سنة 1713 وتأكد هذا الإهتمام فى معاهدة فيينا سنة 1815 وذلك إلى حد أن
مفهوم مبزان القوى على أنه علاقة بين عدد من الدول تمتلك مقدرات متكافئة إلى حد
بعيد وتحترم هذه الدول قواعد التوازن بمعنى أن هذه الدول تسعى إلى الحفاظ على حالة
التوازن كما أن تلك العلاقة تتسم بوجود أدوات يمكن من خلالها إستعادة التوازن إذا
حاولت دولة معينة خرق قواعد التوازن فإنها تلقى بثقلها إلى جانب الدول الأخرى لإجبار
تلك الدولة على إعادة النظام كما هو علية وهذا هو الدور الذى قامت به بريطانيا فى
القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى الثالث الأول من القرن العشرين فحينما قامت
فرنسا فى عهد لويس الرابع عشر بمحاولة التوسع فى أوربا تحالفت بريطانبا مع باقة
الدول الأوربية لضرب طموحات فرنسا وحينما حاولت فرنسا فى عهد نابليون وحينما
تحالفت المانيا مع النمسا والمجر لشن الحرب سنة 1914 تحالفت مع فرنسا وروسيا لوقف
الطموحات الألمانية ومن آليات حفظ التوازن كذلك التسلح وإمتلاك القدرات العسكرية للمحافظة
على التوازن فعندما إمتلكت الهند القنبلة النووية سنة 1998 صممت باكستان على ان
تحذوا حذوها حتى يتحقق التوازن وكانت الهند قد بدأت فى تطوير قدراتها النووية بعد
غمتلاك الصين القنبلة النووية كذلك فإن ضغط التسلح ونزع السلاح هما من أدوات
الحفاظ على توازن القوى الإفتراض هنا أن إمتلاك السلاح يغرى الدول بإستعمالة
وبالتالى فإن نزعه أو تحديده يحفظ التوازن بينهما والمهم أن يكون النزع اغو الضبط
متوازناً ومن أمثلة ذلك نظام ضبط التسلح البحرى فى مجال البوراج الحربية الثقيلة
للولايات المتحدة واليابان وبريطانبا وفرنسا وإيطاليا بحيث أرست توازناً للقوى فى
هذا المجال وكانت تلك الإتفاقات محاولة لتصحيح عدم التوازن الناشىء عن هيمنة
اليابان على شرقى اسيا بعد الحرب العالمية الأولى .
ما هو أثر
ميزان القوى على السياسة الدولية ؟ يقدم أدب السياسة الدولية ثلاث نظريات مختلفة
تحاول الغجابة على هذا السؤال ترى النظرية الأولى أن التكافؤ فى توزريع القوى (
العسكرية والإقتصادية ) بين دولتين من شأنه تحقيق الإستقرار النسبى فى العلاقات
بينهما . ويعتبر كينسى رايت هو أهم أنصار هذه المدرسة التى يطلق عليها غسم مدرسة
السلام من خلال التكافؤ وهى فى الواقع نظرية توازن القوى التقليدية فى العلاقات
الدولية وبتأسس منطق هذه النظرية على أساس أن تكافؤ المقدرات يؤدى إلى إحساس كل
طرف بصعوبة تحقيق مكتب حاسم على الطرف الأخر من خلال الحرب كما أنه يقلل من الشعور
بالتناقض فى مستوى القوى والذى يغذى من النزاعات الراديكالية لدى الدول أما
النظرية الثانية فترى أن عدم التكافؤ فى توزيع المقدرات هو الذى يحقق الإستقرار ويزيد
إحتمالات السلام فالدولة الضعيفة لن تجررؤ على شن الحرب لأنها تدرك أنها لن تحقق
نصراً كما أن الدولة القوية ليست بحاجة إلى شن الحرب لأنها تستطيع تحقيق أهدافها
إزاء الدولة الضعيفة بأدوات اخرى أقل تكلفة كالضغط الإقتصادى والبلوماسى وأخيراً
فغن مثل هذا التكافؤ يتسم بالإستقرار لأن أى تغيير طفيف فى المقدرات لن يؤدى إلى
تغيير مبزان القوى بينما قد يؤدى إلى تغيير محدود فى قوة أى من الطرفين المتكافئين
إلى إعتقاد هذا الطرف أن التوازن اصبح فى مصالحة مما قد يدفعه إلى شن الحرب وتسمى
هذه النظرية بإسم نظرية تفوق القوة ويعتبر أورجانسكى أشهر من دافع عن هذه النظرية كذلك
فقد دافع بعض الدارسيين المحدثين عن هذه النظرية إنطلاقاً من منطلق أن عدم التكافؤ
فى توزيع المقدرات يزيد من تأكد الدول من إحتمالات نتائج التفاعل الصراعى ومن ثم
فإنه يؤدى إلى إستقرار العلاقات بين تلك الدول .
ينتقد
أورجانسكى النظريتين السالفتين على أساس أنهما تفترضان أن علاقة القوة ذات طبيعة
سكونية فهى تركز على دراسة التكافؤ فى المقدرات فى لحظة زمنية معينه ولكن الأثر
الأكبر مسافة نسبية للمقدرات بين دولتين يحدث فى حالة تغيير هذه المسافة ومن ثم
يقدم أورجانسكى نظرية تحول القوة وتدور هذه النظرية حول تصور إن إحتمالات الصراع بين
دولتين تزداد حينما يببدأ توازن القوى بينهما فى التغيير بحيث يصبح لإحدى الدولتين
ميزة نسبية على الدولة الأخرى لتوضيح ذلك يقسم أورجانسكى الدول إلى أربعة مجموعات
طبقاً لمعيارين هما المقدرات ودرجى الرضاء عن وضع الدولة فى النسق الدولى هذه
المجموعات هى الدولة القوية الراضية . ويضيف أورجانسكى أن الدول المجموعة الثانية
هى الأكثر دول فى العالم للدخول فى صراعات دولية وحروب شاملة فالدول الواقعة في المجموعات الثلاث الأخرى أما
راضية عن وضعها الدولي، وبالتالي ليست في حاجة إلى الحرب، وأما ضعيفة إلى حد لا
يمكنها من شن الحرب ولكن حينما يحدث تحول في ميزان القوة بحيث تمتلك الدولة غير
الراضية مقدرات جديدة (المجموعة 4) فأنها تبدأ في تحدي الدول المهيمنة (المجموعة
1)، وفي ذات الوقت فأن الدول المهيمنة تشعر بتحول توازن القوى لغير صالحها، مما قد
يدفعها إلى محاولة وقف هذا التحول عن طريق توجيه ضربة أجهاضية للدولة التي تزداد
قوتها، وقد أعاد سوليفان صياغة تلك النظرية حينما أكد أن عدم الكافؤ الشديد في
المقدرات بين دولتين يؤدى إلى اقلال الصراع أو احتمالات الصراع بينهما، ولكن ما أن
يتجه الميزان بين الدولتين نحو التكافؤ تزداد احتمالات الصراع، ولكن حينما تصبح
الدولتان متكافئتين في المقدرات، تبدأ احتمالات الصراع بينهما في النقصان، كما تقل
حدة الصراع، إذا ما نشب ومن ثم، فالعلاقة بين توزيع المقدرات واحتمالات الصراع
ليست علاقة خطية. ولكنها علاقة تأخذ شكل المنحنى، فعند نقطة عدم التكافؤ الشديد
بين القوتين تقل احتمالات الصراع، ولكن مع اتجاه علاقة القوة نحو التكافؤ تزداد
تلك الاحتمالات، في نقطة معينة يتحول بعدها مزيد من التكافؤ إلى أن يكون عامل من
عوامل الاستقرار، ويضيف سوليفان إلى ذلك أن تغير القوة لا يقتصر على اكتساب إحدى
الدول لمقدرات جديدة، ولكنه يشمل أيضاً الدول المهيمنة التي تجد نفسها في موقف
تفقد فيه مقدراتها، دون أن يكون ذلك نتيجة امتلاك الدول الأخرى لمقدرات جديدة. فهذه
الدول قد تفضل اللجوء إلى الحرب لاضعاف الدول الأخرى قبل أن تجد نفسها في موقف
أدنى بالنسبة لتلك الدول، ومن ثم يخلص إلى أن أي علاقة للقوة التي تتسم بالتحول
(عدم الاستقرار)- سواء أكانت الدولتان تتجهان نحو التكافؤ أو نحو عدم التكافؤ –
تؤدى إلى حرب بين الطرفين بشكل يفوق علاقة القوة التي تتسم بالاستقرار.
تفترض
النظريات السالفة أن المقدرات محل التحليل هي المقدرات التقليدية، وهي بذلك لا
تشمل حالات الدول التي تمتلك المقدرات النووية، ولكن إدخال المقدرات النووية في
معادلة المقدرات بين دولتين يؤدى إلى تغير سياسات تلك الدول، ويقصد بالتكفؤ في
القوى النووية قدرة كل دولة على امتصاص الضربة النووية الأولى وتوجيه ضربة نووية
ثانية قاتلة، وذلك على غرار حالة توازن الرعب Balance of
Terro
بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إبان عصر الحرب الباردة ميزان الرعب ينشأ
في صورته النموذجية حينما تتوافر الشروط التالية:
أ – امتلاك الدول أطراف الميزان الأسلحة النووية.
ب- قدرة الدول على إخفاء وتخزين هذه الأسلحة ولذلك فإن
أحد عناصر ميزان الرعب الأمريكي السوفيتي هو امتلاك القوتين لصواريخ ذات رؤوس
نووية تحملها الغواصات في أعماق البحاب ومختفية على سطح الماء وتتحرك باستمرار
وبالتالي يصعب رصدها.
جـ- ينشأ ميزان العرب حتى إذا لم يكن عدد الرؤوس النووية
لدى الدولتين متكافئاً، وهذا هو الفارق الجذري بين ميزان القوى وميزان الرعب في
ميزان القوى فأن عدد الأسلحة و نوعيتها هو الذي يحدد التوازن أما في ميزان الرعب
المهم هو القدرة على إلحاق ضربة ثانية قاتلة للخصم فميزان القوى هو ميزان عددي أما
ميزان العرب فهو ميزان لا يفترض التوازن العددي.
د- يعتمد ميزان الرعب أيضاً على القدرة على إقناع الطرف
الآخر بأن شن الحرب سيلحق به خسائر لا يمكن تحملها فيزيان الرعب يعتمد على عنصر
نفسي أساسه شعور الدولة بأنها قادرة على تحمل ضربة ننوية أولى وإقناع الدولة
الأخرى وإقناع الدولة الأخيرة بأنها غير قادرة على تحمل ضربة ثانية قاتلة بخلاف
ميزان القوى.
الحق أن
ميزان العرب هو ظاهرة جديدة ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد مع إمتلاك
الاتحاد السوفيتي للسلاح النووي وللصواريخ العابرة للقارت. ومن ثم أصبح الاتحاد
السوفيتي قادراً على نقل القنبلة النوووية إلى أرض الولايات المتحدة كما أن
الأخيرة كانت قادرة قبل ذلك على نقل القنبلة النووية إلى الاتحاد السوفتي عن طريق
الطائرات بعيدة المدى المتمركزة في أوربا.
ادى توازن
العرب إلى استقرار السياسة الدولية طوال عصر الحرب الباردة من حيث أنه أدى إلى منع
نشوب حرب عالمية ثالثة رغم الصراع الشديد بين الاحتاد السوفيتي والولايات المتحدة،
ومن ثم بدأت الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في التوصل إلى أسس جديدة للتفاهم
بينهما ومنها على سبيل المثال اتفاق الدولتين على التزام كل منهما بعد مفاجأة
الطرف الآخر وعدم الدخول في مواجهة، وقد انتهى ميزان العرب مع نهاية الاتحاد
السوفيتي سنة 1991، كانت تلك العملية قد بدأت سنة 1983 حينما أعلنت الولايات
المتحدة عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي ، ذلك أن تطبيق تلك المادرة يعني أن تستطيع
المولايات المتحدة من خلال إقامة منظومة دفاعية أرضية وفضائية، أن تشن ضربة أولى
ولكنها تستطيع أن تدمر الصواريخ السوفيتيتة الآتية إلى أراضيها رداً على تلك
الضربة، أي سقوط القدرة السوفييتية على شن ضربة ثانية مضادة.
(2) الصراع الدولي:
الصراع
ظاهرة تنافسية تتضمن اتباع طرفين أو أ:ثر أهداف تعارضة في نفس الوقت العنصر
الرئيسي في تعريف الصراع هو أنه يتضمن طرفين أو أكثر على الأقل، لكل منهما أهداف
تتناقض مع الطرف الآخر، بمعنى أن كل طرف يريد أن يحصل على ما يريد الآخر أن يحصل
عليه أو يتحتفظ به، ومن ثم إذا تحققت مطالب طرف فأن مطالب الآخر لن تتحقق لأن
الصراع ينصب على الشيء ذاته، فإسرائيل تريد الاحتفاظ باحتلال الضفة الغربية بينما
يريد الفلسطينيون انتزاها من الاحتلال الإسرائيلي كذلك فإن هذه الأهداف المتعارضة
تتبع آنياً بمعنى أن التناقض من الأهداف يحدث في الزمن ذاته وليس بشكل متعاقب وإذا
كان أطراف الصراع وحدات دولية صار صراعاً دولياً.
0 Reviews:
Post a Comment