Contact us

مفهوم المجتمع والدولة

الثقافة والنظم أو المؤسسات الاجتماعية هي التي تسمح باستمرار الكيان البشري الجماعي وبقائه وتجدده في الزمان والمكان، فهي حدودها الدنيا تتطلب وجود ذكور وإناث قادرين على التكاثر والإنجاب، وعلى العناية بالأطفال وتنشئتهم إلى أن يكبروا، ويسهموا في الإنتاج والخدمات. ويرغبوا في التكاثر والإنجاب أي البقاء والاستمرار. وإعادة إنتاج الكيان البشري الجماعي. والمجتمع بكل أجزائه هو كيان متغير ويكاد يكون التغير شرطا لازما لوجود المجتمع واستمراره فالمجتمع الذي لا يتغير يكون مهددا بالاضمحلال ثم الفناء ولكن درجة التغير تختلف من مجتمع إلى آخر وبعض المجتمعات التي قد تبدو للمراقب الخارجي كما لو كانت ثبوتية جامدة ليست في الواقع كذلك، فهي أيضا تتغير، وإن يكن ببطء شديد والتغير الاجتماعي بالمعنى العلمي للمصطلح لا يعني دائما أو بالضرورة تغيرا إلى الأفضل من وجهة أفراد هذا المجتمع، أو من وجهة نظر المراقب الخارجي. وما يهمنا من ذكر هذا الجانب فبطبيعة المجتمع هو مصادر التغير الاجتماعي أو عوامله ونوعيته. فبضع هذه العوامل قد يكون داخليا. بفعل التراكم والحركة الذاتية، وضرورات التكيف مع البيئة، وبعضها الآخر قد يكون خارجيا بفعل الاحتكاك والتفاعل مع مجتمعات أخرى سواء أكان ذلك في صورة سلمية أم عنيفة. وعادة ما تتقاطع عوامل التغير الاجتماعي الداخلية والخارجية بصورة جدلية وبخاصة في العصر الحديث، أو بالأحرى مع نشأة ما يصطلح عليه الآن في أدبيات العلوم الاجتماعية باسم النظام العالمي الذي بدأ في التبلور من خمسة قرون.
وكل مجتمع مهما كان حجمه ومستواه التطوري لابد أن يأخذ بنظام لتقسيم العلم الاجتماعي. وفي أشكاله البدائية البسيطة، قد يكون تقسيم العمل مقتصرا على إسناد مهام خاصة لكلا الجنسين (الإناث والذكور) كأن يكون لأحدهما مهام رعاية الأطفال وتنشئتهم والأعمال المنزلة، وللآخر وظائف الصيد والقنص والرعي والزراعة والحماية. ولكن معظم المجتمعات التاريخية، ناهيك عن المعاصرة قد عرفت نظام أكثر تنوعا لتقسيم العمل كضرورة لزيادة الكفاءة وتلبية الحاجات الضرورية، وبخاصة مع التزايد المطرد للكشان، وفي المجتمعات المعاصرة وبخاصة المتقدمة منها، أصبح تقسيم العمل أكثر كثافة وتقنينا، وهو ما يعرف بالتخصص ثم بالتخصص الدقيق. ولك مجتمع آلياته المادية والمعنوية في تقسيم العمل أو بالأحرى في تخصص الموارد البشرية على أوجه النشاط الإنتاجي والخدمي. وتتراوح هذه الآليات بين الحوافز الإيجابية سواء كانت مادية أم معنوية، والفرض القسري ماديا أو معنويا. وفي حالات عديدة قد تفر آليات تقسيم العمل في مجتمع معين بواسطة مجتمع أو مجتمعات أخرى سواء بشكل مبار أم غير مباشر. وهذه الحالات التي يتداخل فيها النظام العالمي مع النظام المجتمعي (الفرعي والوطني) تعرف في الأدبيات الاجتماعية باسم التقسيم الدولي للعمل.
أحد التداعيات الرئيسية لتقسيم العمل، كسب ونتيجة معا، هو "التباين الاجتماعي"، ويقصد به تنوع المجتمع إلى فئات وتكوينات مختلفة أفقيا، ومتراتبة عموديا أو رأسيا. التنوع الأفقي هو نتيجة مباشرة لتقسيم العمل، أما التراتب العمودي فهو نتيجة غير مباشرة لهذا التقسيم ولعوامل أخرى، منها هيكل القوة في المجتمع، ممثلا بالنظام السياسي القائم في هذا المجتمع. والتراتب الرأسي يعني، فيما يعنيه، أن هناك تباينا في حظ الفئات المختلفة في المجتمع من الثروة والسلطة والمكانة. واستمرار هذا التباين جليا، هو ما يؤدي إلى نشأة الشرائح الاجتماعية، أو الطبقات الاجتماعية، واختلاف النصيب النسبي لكل شريحة أو طبقة في الثروة والسلطة والمكانة قد يصبح قضية خلافية في المجتمع، مالم تكن معايير هذا التفاوت واضحة ومقبولة من كل أفراد المجتمع، وهو أمر نادر، أو ما لم تكن هناك كوابح ثقافية وقيمية تمنه من إثارة هذه القضية (كما في نظام الطوائف الطبقية الهندية التقليدية) واختلاف النصيب النسبي لكل شريحة أو طبقة في الثروة والسلطة والمكانة قد يصبح قضية خلافية في المجتمع، ما لم تكن معايير هذا التفاوت واضحة ومقبولة من كل أفراد المجتمع، وهو أمر نادر، أو ما لم تكن هناك كوابح ثقافية وقيمية تمنه من إثارة هذه القضية (كما في نظام الطوائف الطبقية الهندية التقليدية)، لذلك عادة ما يصاحب تقسيم العمل والتباين الاجتماعي والتراتب الطبقي تواتر اجتماعي. وفي المجتمعات الأكثر تعقيدا، قد يأخذ هذا التوتر صورة صراع طبقي سلمي أو عنيف.
التراتب الطبقي هو أحد أنواع التباين الاجتماعي، ولكنه ليس النوع الوحيد، وإن كان من أهمها أو أهمها على  الإطلاق. من أنواع التباين الأخرى: التنوع السلالي، والتنوع الديني، والتنوع اللغوي، والتنوع القبلي، والتنوع الريفي – البدوي- الحضري. ونادرا ما يخلو أي مجتمع من واحد أو أكثر من هذه التنوعات وغيرها. وهذا التنوع في حد ذاته قد يكون مصدر ثراء ثقافي للمجتمع. ولكنه قد يكون أيضا مصدر توتر كامن أو ظاهر، إذا تضافر هذا التنوع مع التباين الطبقي بشكل ملموس. ونقصد بذلك أن يكون انتماء الفرد إلى أصل سلالي أو ديني أو قبلي معين، مثلا، محددا لفرصة في الحصول على امتيازات معينة أو حرمانه منها، بصرف النظر عن القدرة أو الكفاءة. ومرة أخرى ما لم تكن هناك كوابح ثقافية وقيمية تمنع هذا التباين الموضوع من أن يصبح قضية خلافية، فإنه يؤدي إلى صراع اجتماعي سلمي أو عنيف داخل المجتمع. وقد يؤدي هذا الصراع، إذا كان عنيفا وطويلا، إلى تفتت المجتمع أو انقسامه إلى مجتمعين أو أكثر.
التباين الاجتماعي، بكل أنواعه الأفقية ومستوياته العمودية وبكل تداعياته التوترية والصراعية، هو سبب ونتيجة للتغير الاجتماعي، في آن واحد. وهناك من المفكرين والعلماء الاجتماعيين أمثال كارل ماركس يذهبون إلى أن الصراع الاجتماعي، وبخاصة الطبقي منه هو العجلة الرئيسية التي تحرك المجتمع والتاريخ نحو "التقدم". وهناك مدرسة فكرية مقابلة، هي ما يسمى بالمدرسة الوظيفية، ترى في الصراع الاجتماعي ظاهرة مرضية يمكن أن تهدد كيان المجتمع وبقاءه، بخاصة إذا تجاوزت حدا معينا من العنف. لكن الشواهد التاريخية والتجريبية تشير، إلى أن معظم المجتمعات تبتكر آليات مختلفة كسبيل لاحتواء الصراع أو تقنينه، بحيث لا يصل الأمر إلى فناء المجتمع. وتتراوح هذه الآليات في كفاءتها وتتنوع في طبيعتها، ويطلق عليها إجمالا وسال الضبط الاجتماعي. ويندرج ضمن هذه الوسائل نسق القيم والمعايير الذي يعمق الانتماء والولاء والاحترام للمجتمع الأكبر، ويعطيه أولوية على التكوينات الاجتماعية الأصغر، بحيث يراعي الأفراد والجماعات في إدارة توتراتهم وصراعاتهم أن لا يتجاوزوا الحد الذي يهد الكيان المجتمعي الأكبر أو يحرمهم من عضويته. لذلك، فإحدى وظائف النسق القيمي – المعياري هي أن تكون بمثابة كوابح وروادع داخلية للسلوك من تجاوز حدود معينة تهدد الكيان الاجتماعي الأكبر. وتتدرج وسائل الضبط الاجتماعي من الكوابح والروادع الداخلية عند أفراد المجتمع وتكويناته، إلى كوابح وروادع خارج هؤلاء الأفراد والتكوينات ممثلة في السلطة السياسية التي تمارس القهر المنظم كخط دفاع أخير لحفظ كيان المجتمع، إذا فشلت أو تعثرت آليات الضبط الاجتماعي الأخرى.

0 Reviews:

Post a Comment