أولا: المجتمع والدولة
المجتمع:
مصطلح مجتمع يمكن أن يكون له
معنيين متمايزين، فهناك مجتمع وهناك المجتمع عموما. وهو في الفهم الأخير يكون
مرادفا للتنظيم الاجتماعي أو البناء الاجتماعي. بينما يعد في فهمه الفرد مرادفا
للنسق الاجتماعي ومع ذلك تواجهنا عند تعريف المجتمع كوحدة تحليلية متميزة كثير من
المشكلات كتلك التي تواجهنا عند تعريف الثقافة. والمجتمع بصفة عامة يعني جماعة
بشرية كبيرة العدد نسبيا ومستقلة نسبيا ولدى أفرادها القدرة على الاستمرار من
الوجهة السكانية كما يتسم بقدر من الاستقلالية في تنظيم العقبات الاجتماعية. كما
يعرف المجتمع على أنه الكيان الجماعي من البشر، بينهم شبكة من التفاعلات والعلاقات
الدائمة والمستقرة نسبيا، وتسمح باستمرار هذا الكيان وبقائه وتجدده في الزمان
والمكان.
هذا التعريف للمجتمع ليس هو
التعريف الوحيد الممكن، فهناك تعريفات كثيرة بعضها أكثر إيجازا وبعضها أكثر
تفصيلا. ويتميز هذا التعريف بأنه شمولي حيث يحتوي على كل العناصر الرئيسية التي
توجزها أو تفصلها تعريفات أخرى. فجماعة الكيان البشري تنطوي صراحة وصمنا على حد
أدنى من السكان الآدميين الذي يرتبطون ببعضهم البعض مما يجعل منهم كيانا وليس مجرد
حشد من الأفراد المتفوقين. ويتأكد هذا المعنى من بقية التعريف. فشبكة التفاعلات
بين هؤلاء البشر تفترض بالضرورة وجود أداة للتفاعل أهمها اللغة المشتركة. بالمعنى
الرمزي والواسع للكلمة. والتفاعل بدوره ينبثق عنه علاقات بين أجزاء هذا الكيان
البشري بأفراده أو جماعاته. ولا يقول التعريف شيئا محددا عن طبيعة هذه العلاقات
فقد تكون علاقات تعاون أو تنافس أو صراع أو خليطا منها جميعا.
واستمرار التفاعل والعلاقات
بين أجزاء الكيان البشري هو الذي يبلور طريقة أو أسلوبا للحياة بين هؤلاء البشر
ونمط التفاعل بينهم وبين بيئتهم الطبيعية، أو ما اصطلح على تسميته في العلوم
الاجتماعية بالثقافة. فالثقافة هي النتاج المادي والمعني المتراكم من تفاعل
وعلاقات هؤلاء البشر في مكان معين، على مر السنين. ويعد البداية الجنينية لأي
مجتمع تتوارث الأجيال المتعاقبة هذا الإرث الثقافي ويضيف إليه كل جيل أو يعدل في
جوانبه المادية أو المعنوية. والثقافة بهذا المعنى تشمل أدوات الإنتاج والخدمات
والمواصلات والمساكن والملابس والطعام وغيرها من المظاهر المادية المحسوسة، كما
تشمل الفنون والآداب والأساطير والقيم والمعايير وقواعد السلوك وطرائق الإدراك والتكير
والعادات والتقاليد وغيرها من المظاهر المعنوية غير المحسوسة.
كما ينتج عن استمرار التفاعل
والعلاقات بين البشر في مكان معين وبمرور الزمن، ما يسمى بالنظم أو المؤسسات
الاجتماعية. وهي مجموعة من القواعد والآليات التي تنظم سلوك الأفراد والجماعات وهم
بصدد إشباع حاجاتهم وخدمة مصالحهم وتحقيق أهدافهم. ومن هذه النظم أو المؤسسات
الاجتماعية العائلة أو الجماعات القرابية الأخرى التي تشبع حاجات الأفراد الجنسية
والمادية والمعنوية والوجدانية بشكل يومي مباشر كما تضمن تجديد الكيان المجتمعي
بشريا، من خلال التوالد والتكاثر وتقويض المجتمع عمن يفقدهم من أفراده بالوفاة أو
الهجرة. ومن هذه النظم أيضا النظام الاقتصادي الذي يعبئ ونظم نشاط الأفراد وسلوكهم
في إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها واستهلاكها. والنظام السياسي الذي يوفر الأمن
الداخلي والدفاع الخارجي لهذا الكيان البشري الجماعي وكلما شعر البشر في هذا
الكيان بأهمية جانب من جوانب حياتهم معا، فإنهم ينظمونه بمعنى أنهم لا يتركونه
لهوى الأفراد أو نزعاتهم التلقائية. هذا التنظيم يتم تقنينه عرفا أو كتابة، وقد يتسم
بالرضا وبالتراضي وبين أفراد المجتمع أو بالقوة والإكراه بواسطة جماعة على بقية
أفراد هذا الكيان البشري وجماعاته.
0 Reviews:
Post a Comment