ما هو المجتمع المدني ولماذا؟
نشأ مفهوم المجتمع المدني لأول
مرة في الفكر اليوناني الإغريقي حيث أشار إليه أرسطو باعتباره مجموعة سياسية تخضع
للقوانين أي أنه لم يمكن يميز بين الدولة والمجتمع المدني، فالدولة في التفكير
السياسي الأوروبي القديم يقصد بها مجتمع مدني يمثل تجمعا سياسيا أعضاؤه هم
المواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها.
تطور المفهوم بعد ذلك في القرن
الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الرأسمالية حيث بدأ التمييز بين الدولة
والمجتمع المدني.. فطرحت قضية تمركز السلطة السياسية وأن الحركة الجمعياتية هي
النسق الأحق للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي.
وفي نهاية القرن الثامن عشر
تأكد في الفكر السياسي الغربي ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني الذي
يجب أن يدير بنفسه أموره الذاتية وأن لا يترك للحكومة إلا القليل. وفي القرن
التاسع عشر حدث التحول الثاني في مفهوم المجتمع المدني حيث اعتبر كارل ماركس أن المجتمع
المدني في إطار مفهوم جديد فكرته المركزية هي أن المجتمع المدني ليس ساحة للتنافس
الاقتصادي بل ساحة للتنافس الأيديولوجي منطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية
والهيمنة الأيديولوجية.
فمع نضج العلاقات الرأسمالية
في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر وانقسام المجتمع إلى طبقات ذات مصالح
متفاوتة أو متعارضة واحتدام الصراع الطبقي، كان لابد للرأسمالية (أي الطبقة
السائدة) من بلورة آليات فعالة لإدارة هذه الرأسمالية الأوروبية بالفعل في أن تحقق
هذا الهدف من خلال آليتين: آلية السيطرة المباشرة بواسطة جهاز الدولة، وآلية
الهيمنة الأيديولوجية والثقافية من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية يمارس فيها
الأفراد نشاطا تطوعيا لحل مشاكلهم الفئوية والاجتماعية وتحسين أوضاعهم الثقافية
والاقتصادية والمعيشية.. الخ.
وتأتي أهمية الآلية الثانية من
أنها تؤكد استجابة مختلف الفئات الاجتماعية بقيم النظام الرأسمالي وقبولها لها
وممارستها نشاطها للدفاع عن مصالحها في إطارها، وبذلك تتأكد قدرة الطبقة السائدة
(الرأسمالية) على إدارة الصراع في المجتمع بما يدعم أسس النظام الرأسمالي
وأيديولوجيته. ونتيجة لهذا التطور فنحن أمام ثلاثة مفاهيم مختلفة ولكنها في نفس
الوقت متكاملة: المجتمع، المجتمع السياسي، المجتمع المدني. أما المجتمع فهو الإطار
الأشمل الذي يحتوي البشر وينظم العلاقة بينهم في إطار اقتصادي اجتماعي محدد ويتطور
من خلال علاقة فئاته ببعضها وصراعتها.
0 Reviews:
Post a Comment